المواطنة تعني: التمتع بالحقوق المدنية المرتبطة بالجنسية؛ ويراد بذلك حق المواطنين في التصويت في الإنتخابات، وحقهم في الترشيح، وممارسة الحريات العامة المتعلقة بالمشاركة السياسية، وتولي الوظائف العامة في أجهزة الدولة. وفي الأصل يرتبط مفهوم المواطنة (نظرياً) بالديمقراطية؛ كما ظهر تمجيد المواطنة من جديد مع الثورتين الأميركية والفرنسية، واندرجت إلى إطار منظور مزدوج قائم على معارضة الحكم السلالي. زيادة على ذلك فإن المفاهيم الرمزية الكبرى لمصطلح المواطنة تتمثل بالمساواة والمسؤولية واستقلالية الرأي. والمواطن هو الشخص الذي يتمتع بكامل حقوقه المدنية والسياسية في الدولة التي يحمل جنسيتها.
وبحسب ابن منظور في "لسان العرب" فإن الوطن هو: المنزل الذي تقيم به، وهو موطن الإنسان ومحله. يقال: أوطن فلان أرض كذا وكذا أي اتخذها محلاً ومسكناً يقيم فيها. من هنا ظهرت عبارة (الاستيطان) في الأرض، أي اتخاذها وطناً. ومهما تعددت الاجتهادات اللغوية والفكرية في فهم الوطن فإنه يبقى مرتبطاً بالإقامة في أرض محددة، قد تفرضها ظروف الحياة و الانتقال والعمل.
لذلك لم يعد المواطن مجرد فرد يعيش بالمصادفة في أرض الوطن، ذلك أن مصطلح "المواطن" صار مرتبطاً بمضامين قانونية وسياسية واجتماعية مع تطور فكرة الدولة والأنظمة السياسية والدستورية؛ كما أصبح المصطلح يعني وجود روابط ومحددات تربطه بالدولة الناشئة في وطن ما.
والسؤال المطروح وبقوة اليوم هو: ما هو موقف الإسلام من المواطنة من حيث المفهوم والممارسة؟ وما هي الحقوق التي كرسها الإسلام على هذا الصعيد للمواطنين (المسلمين وغير المسلمين) في الدولة والمجتمع الإسلاميين؟ ثم إلى أي حد تقترب أو تبتعد إعلانات الحقوق الأوروبية والأميركية من القيم والمبادىء الإسلامية في مجال الحريات والحقوق عامة؟ وهل يصح اعتبار هذه المفاهيم أو بعضها إسلامية من حيث النظرية والتطبيق؟
وللإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها نورد بعض نصوص الوثيقة التي كتبها الرسول صلى الله عليه و سلم في المدينة البالغ عددها سبعة وأربعين بنداً (47) تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك على أن ما نصت عليه الصحيفة من مبادىء عامة، أصبحت قواعد وقوانين اتبعتها و لا تزال دساتير الدول في أوروبا وأميركا عقب الثورتين الأميركية والفرنسية، من أجل حماية الحريات وتكريس الحق بالمشاركة وتحقيق التنوع والاعتراف بالآخر، وصولاً إلى المساواة والعدالة الاجتماعية.
مقالات أخرى للكاتب
منذ شهرين
الإعلام الإسلامي وأثره في صياغة فكر النهضة
منذ شهرين
المرجعيات السنية في لبنان بين الثابت و المتحول