azhar azhar

منذ شهرين

الإعلام الإسلامي وأثره في صياغة فكر النهضة

الدكتور نادر جمعة

الدكتور نادر جمعة

مدير مركز البحث العلمي

 الإعلام لغة: مصدر لفعل أعلم الرباعي، وهو من العلم يعني إدراك الشيء على حقيقته، وذلك يعني قوة الصلة بين العلم والدلالة على إرادة البلاغ[1]. واصطلاحاً: يعتبر الإعلام إحدى الوسائل أو المنظمات التجارية التي تتولى مسؤولية نشر الأخبار وإيصال المعلومات للأفراد، وتكون عادة غير ربحية، وتختلف في ملكيتها فقد تكون عامة أو خاصة، ورسمية أو غير رسمية[2].

 يذهب بعض الباحثين إلى أن الإعلام ظاهرة إنسانية غير مرتبطة بزمان أو مكان، فقد ترافق العمل الإعلامي مع وجود الإنسان على هذه الأرض. ومن المفيد الإشارة في هذا السياق إلى ما تم اكتشافه في مصر من حجر رشيد، والذي يعود إلى القرن الخامس قبل ميلاد السيد المسيح، إذ وجدت فيه كتابات بلغات ثلاث: "اليونانية والديموطيقية والهيروغليفية"، كما اكتشفت بعض الكتابات التي تعود إلى 196 قبل الميلاد في الفترة التي عاش فيها بطليموس، ويمكن إدراج المعلقات السبع ضمن هذا الإطار العام لمفهوم الإعلام قديماً وحديثاً[3].

 أما بداية التأريخ لمهنة الصحافة journalism    فإن ذلك يعود للعصور الوسطى، فقد كان البابا يسجل أحداث العام على سبورة بيضاء؛ ثم صدرت أول صحيفة في أمريكا سنة 1690م في بوسطن؛ وفي بريطانيا صدرت صحيفة دايلي كورنت سنة 1702م؛ وصحيفة التايمز التي أسسها الأخوان جون والتر الثاني صدرت سنة 1785م.

 والسؤال الذي يطرح نفسه، ما هو الإعلام الإسلامي؟ ومتى بدأت الصحف ذات المضمون الإسلامي بالصدور؟

إن الإعلام الإسلامي هو جزء من الإعلام المعاصر الموجه للمجتمعات العربية والإسلامية، ويقع على عاتقه مهمة استثمار منظومة القيم الكامنة في مصادر الإسلام الحنيف، وتعزيز مركزية موقع الأمة الإسلامية الحضاري والاستراتيجي من أجل القيام بأدواره الإعلامية المنشودة، خاصة في ظل ما يعرض للفرد المسلم اليوم من رسائل ومضامين إعلامية متعددة الفلسفات ومتناقضة القيم والمبادىء، تؤثر في تكوين الفرد الفكري والاجتماعي، وتؤثر في زعزعة هوية المجتمعات المسلمة في التحديات الإعلامية في الواقع المعاصر[4].

 إن القرآن الكريم نفسه يمثل ظاهرة إعلامية؛ إذ يقول الله تعالى: (عم يتساءلون عن النبأ العظيم) النبأ-1، من هنا فإن الوحي الإلهي شكل ولا يزال وسيلة إعلامية بوصفه أداة لسانية تستبطن الكثير من المعاني والدلالات، وتدعو إلى إعادة رسم المجتمع وبنائه فكرياً وسياسياً واقتصادياً ومعرفياً؛ إذ استطاع القرآن الكريم أن يحدث صدمة ثقافية وإيمانية في الجزيرة العربية بوجه بقية الأديان والأيديولوجيات التي كانت سائدة وقتذاك في شبه الجزيرة العربية وما جاورها.

ولم يقتصر الإعلام الإسلامي في بداية الدعوة الإسلامية على النصيين القرآني والنبوي؛ وإنما مثلت أركان الإسلام الخمسة ببعديها الإيماني العقيدي والسلوكي الحركي ظاهرة إعلامية. فإذا أردنا أن نقرأ هذه الأركان "الصلاة والصوم والزاكة والحج" قراءة سيميائية، فإنها تكشف لنا عن هذين البعدين الإعلامي والإعلاني في نفس الوقت. كما أن الأذان وهو وسيلة إعلامية وإعلانية أيضاً تستهدف نقل السامع أو المتلقي من حدود الزمان والمكان، وتجاوز الإطار اللفظي السمعي من خلال الربط بين اللفظ المحدود والأثير اللامحدود أي إرتباط الأرض بالسماء، المحسوس باللامحسوس والحاضر بالغائب....إلخ.

 والحق أن الإعلام الإسلامي ليس مرتبطاً بفترة زمنية معنية، وليس محدوداً ببقعة جغرافية محدودة؛ بل هو منهج يتجاوز حدود الزمان والمكان، ويحمل في طياته بذور الملاءمة لكل زمان ومكان. وإذا كان الإعلام هو صناعة الرأي العام، وهو إلى جانب ذلك يحمل رسالة، وهو أداة اتصال بين طرفين المخبِر والمخبَر، فإن القرآن الكريم بهذا المعنى هو أهم وسيلة إعلامية قديماً وحديثاً.

في فكر النهضة وعلاقته بالإعلام الإسلامي

يقول المفكر فهمي جدعان في كتابه "أسس التقدم عند مفكري الإسلام" إذا كانت دولة العرب وأيامهم قد درست، كما لاحظ ابن خلدون، وصار الأمر من بعدهم في أيدي سواهم من العجم مثل: الترك بالمشرق، والبربر بالمغرب، والفرنجة بالشمال، فإن الإسلام نفسه لم يدركه تماماً ما أدرك هذه الدولة وتلك الأيام، والفضل في ذلك يعود إلى حد ما إلى الأتراك[5]؛ وفي ذلك يقول ابن خلدون:"إذ بينما كانت الخلافة الإسلامية قد ضعفت وفسد أمرها، ولم تعد قادرة على صد أعدائها، جلب الله لها بحكمته وحسن تدبيره وإحسانه حكاماً وحماة، جدداً، من بين قبائل الترك العديدة العظيمة، حتى ينفث من جديد الروح في جسم الإسلام ويعيد إلى المسلمين وحدتهم"[6].

وإذا كان الأستاذ ألبرت حوراني قد أرخ لنهضة الفكر العربي من العام 1798 وحتى العام 1939[7]؛ فإنني أعتبر أن مجموعة كبيرة من الصحف والمجلات الإسلامية شكلت الأسس النظرية والفكرية لنهضة الفكرين العربي والإسلامي في الفترة الممتدة من العام 1850 وحتى العام 1950، ومن هذه الصحف والمجلات: مجلة "العروة الوثقى" التي أصدرها السيد جمال الدين الأفغاني والإمام الشيخ محمد عبده في باريس عام 1884، ومجلة "المنار" التي أصدرها الشيخ محمد رشيد رضا بالتعاون مع أستاذه الشيخ محمد عبده عام 1898، ومجلة "جريدة الإخوان المسلمين" التي أصدرها الإمام حسن البنا عام 1933؛ ومنها أيضاً مجلة "النذير"، ومجلة "الشهاب"، ومجلة "الدعوة"، ومجلة "الكشكول"، ومجلة "لواء الإسلام"، ومجلة "منار الإسلام" وجميعها تصدرها جماعة "الإخوان المسلمون"[8].

 وبما أن الهدف من هذه الدراسة هو الإضاءة على الجوانب الثقافية والاجتماعية والسياسية التي كان لها أثر فعال في التأسيس لمنظومة فكرية نهضوية جمعت بين أصالة النصوص الدينية واحتواء الفلسفات الغربية على قاعدة التثاقف وصلاحية الإسلام (كتاباً وسنة) لكل زمان ومكان؛ لذلك سأعرض في هذه الورقة الموجزة لأبرز المبادىء والأفكار التي تبنتها ودعت إليها مجلتا (العروة الوثقى والمنار)، واللتان كانتا تعبران عن فكر المدرسة الإصلاحية برموزها الثلاثة:"السيد جمال الدين الأفغاني والإمام الشيخ محمد عبده والشيخ محمد رشيد رضا" في سجالاتهم مع أرنست رينان وهانوتو وفرح أنطون وغيرهم من أعلام الفكر الغربي في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.



[1] الأستاذ محمود عبد السلام،"الإعلام الإسلامي بين الواقع والطموح"،موقع إسلام ويب.

[2] إيمان الحيارى،"تعريف الإعلام لغة واصطلاحاً"،موقع موضوع.

[3] حجر رشيد،موقع ويكيبيديا.

[4] هيفاء فوارس،"الوظيفة التربوية للإعلام الإسلامي"،ص 76.

[5] الدكتور فهمي جدعان،"أسس التقدم عند مفكري الإسلام"،

[6] الدكتور ألبرت حوراني،"الأسس العثمانية للشرق الأوسط،

[7] الدكتور ألبرت حوراني،"الفكر العربي في عصر النهضة"،بيروت، دار نوفل،

[8] الأستاذ خالد بشير،"مجلات الجماعات الإسلامية عبر تسعة عقود"،

مقالات أخرى للكاتب

اضف تعليقاً

ابق على اطلاع بالاشتراك بنشرتنا البريدية ...

و ساعدنا في تغيير حياة المزيد