azhar azhar

منذ 6 أشهر

هل أنا مُعنّف؟

الأستاذة صفاء لولو

الأستاذة صفاء لولو

استاذة

 

تعتبر ظاهرة العنف الأسري من الظواهر القديمة في المجتمعات الإنسانية, وهي كانت مقبولة اجتماعياً، لارتباطها بالعادات والتقاليد السائدة، حتى أنه كانت البنت توأد فور ولادتها في العصر الجاهلي .غير أن الحديث عنه لم يكن بهذه القوة كما هو اليوم، ويرجع ذلك لعوامل عديدة منهاعولمة قضية العنف وقيام جمعيات ومؤسسات نسائية عالمية تطالب بحقوق المرأة منهااتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة ( السيداو) التي صدرت في العام 1979م ،كما أن انتشار وسائل الاعلام والانفتاح الاعلامي الذي يركز على هذا العنف ويسلط الضوء على بعض حالاته التي تظهر من حين لآخر يليه تقصير الجهات الإسلامية من علماء ومؤسسات ثقافية وتربوية في إظهار حقيقة الشريعة الإسلامية في نظرتها إلى أسس قيام الأسرة المسلمة والتعاون بين افرادها.

 العنف لغة: هو الخرق بالأمر  وهو ضد الرفق, وهو الشدة والمشقة.  كما عُرِّف فى العلوم الاجتماعية بأنه استخدام الضبط أو القوة استخداماً غير مشروع أو غيرمطابق للقانون من شأنه التأثير على إرادة فرد ما. وهو على ثلاث أنواع:

1-العنف النفسي: وهو أي فعل مؤذ لنفسية المعنَّف ولعواطفه بدون أن تكون له أية آثارجسدية، ومن مظاهر هذا العنف(الشتم، الإهمال، عدم تقدير الذات، التحقير، النعت بألفاظ بذيئة، الإحراج، المعاملة كخادم، توجيه اللوم، الاتهام بالسوء، إساءة الظن، التخويف، الشعور بالذنب) .

2- العنف الجسدي: وهو الذي يتعلق بالأذى الجسدي واستخدام القوة، ويتراوح من أبسط الأشكال إلى أخطرها وأشدها (الضرب، الخنق، الحرق، الدهس ... الخ ).

3- العنف الجنسي: قد يكون داخل نطاق العائلة أو خارجها ، وهو الاستدراج بالقوة والتهديد، إما لتحقيق الاتصال الجنسي أو لإستخدام المجال الجنسي في الإيذاء كالتحرش، الشتم بألفاظ نابية، الإجبار على ممارسة الجنس، او الإجبار على القيام بأفعال جنسية لا تقبلها المرأة، والملاحظ في موضوع العنف الجنسي إدراج موضوع العلاقة الزوجية بداخله.

 من هنا تطرح عدة اسئلة منها هل الإسلام يشرع العنف؟ وماهي الحلات التي يسمح فيها للضرب ؟ولماذا؟

 البداية كانت مع - سهير معلمة – قالت:" حث الإسلام على نبذ العنف داخل الأسرة بكافة أشكاله المادية والمعنوية، فالايات والأحاديث في ذلك كثيرة منها﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴾ من هنا فإن الإسلام حينما شرع قوانينه وأحكامه شرعها للمؤمنين حتى يطبقوها على أنفسهم وعلى من يتحملون مسؤوليتهم، وإذا حدث أي خلل في التطبيق فهذا يعود للمسلمين وليس للإسلام .

 وفي الإدعاء بأن الإسلام في سماحه بضرب الزوجة أوبمجامعة الزوج لزوجته رغما عنها يكون ممن يشجع على العنف ضد المرأة، اعترض - محمود  طالب شريعة - على ذلك بقوله إنه أمر مرفوض فضرب الزوجة في الآية ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾

[ النساء، 34-35]. ليست تبرير لضرب الزوجة  إطلاقاً لأنها تختص بالزوجة الناشز التي ارتفعت على الزوج واستعصت عليه وابغضته وخرجت عن طاعته، وهذا المنهج يقتضي استخدام ثلاث وسائل متدرجة، لا يصح تجاوز الواحدة منها قبل أن يكون قد استخدم الوسيلة التي قبلها وهي أولاً النصيحة والموعظة بلطف وتحبب،وقد تأتي من بعض الأهل الثقة أو قد تكون من قبل المختصين الاجتماعيين او النفسيين الذين يحاولون الاستماع إلى الزوجين ومساعدتهما على حل مشاكلاتهما الزوجية ،يليها الهجر في المضجع نفسه وهو الفراش فتسكن نفس كل من الزوجين إلى الآخر ويزول اضطرابهما الذي أثارته ، واخيراً الضرب غير المبرح، ومثل له بعض العلماء الضرب بالسواك أو القصبة الصغيرة ونحوهما، والأولى تركه إبقاءً للمودة.

 وعند سؤال- هند ربة منزل – عن رأيها في  العنف الأتي من اتيان الزوج زوجته رغماً عنها أوضحت أن للإسلام آدابا واضحة لتحقيق الإنسجام الجنسي بين الزوجين،فهو يرفض اتيان الزوجة رغما عنها، ولكنه في الوقت نفسه يجعل من أهداف الزواج غض البصر وإحصان الفرج ، فلو امتنعت الزوجة عن فراش زوجها وكثرت تعليلاتها من دون سبب مقنع ، تكون بذلك سببا في حصول المشكلات الزوجية وتصاعدها، حيث إن العلاقة الجنسية الطبيعية السليمة بين الزوجين كثيراً ما تجب ما قبلها من خلافات، وتخفف من التوتر العاطفي والنفسي بين الزوجين .كما أن تعدد الزوجات الذي لم يفهمه بعض الناس ووجدوا فيه نوعا من أنواع العنف ضد المرأة، هو نظامٌ اختياريٌ وليس إجبارياً .

 وعند سؤالنا- أحمد صاحب متجر – عن أنه يحتج بعض دعاة تحرير المرأة على قول الله تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [ النساء، 11] .فكان رده :" بأن الله جعل لها نصف حظ أخيها من تَرِكَة الأب صحيح ولكنهم يتغافلون عن أن هذا الحكم جاء ضمن منظومة اجتماعية اقتصادية متكاملة. فالإسلام كلَّف الرجل بما لم يكلف به المرأة، فهو المسؤول عن نفقتها ونفقة عياله وحتى أخواته إذا لم يكن لهن معيل تحت قاعدة الغُرْم بالغُرم، بينما لم يكلف الشرع المرأة بأية مسؤوليات. وهناك حالات يتساوى فيها الذكر والأنثى ، وحالات أخرى تزيد بها حصة الأنثى عن حصة الذكر في الميراث كما أن حق الطلاق   يعود لعدة أسباب أهمها كون الرجل  معروفاً بغلبة العقل على العاطفة ، كما أنه المتضرر الأول من الطلاق من الناحية المادية ،والشرع الإسلامي أعطى للمرأة الحق في أن تختلع ممن تبغضه ولا تقدر على العيش معه بأية حال من الأحوال.

 توضح الوقائع والدراسات ان الذين يتسببون في أفعال العنف في داخل الأسرة هم أفراد عاديون، واعتقاد الجاني بمشروعية العنف، كما أن الطفل الذي يتعرض للعنف إبان فترة طفولته يكون أكثر ميلاً نحو استخدام العنف ويعتقد أن ضرب الزوجة يرتبط باثبات الرجولة و فرض الهيبة، وقد تكون  بتأثير ما تعرضه وسائل الإعلام من مشاهد تشجع على العنف،أو أسباب تتعلق بالمعنَّف منها استهانته بالجاني ومحاولة التقليل من شأنه أمام الآخرين مما يدفعه إلى الانتقام منه بعد ذلك كتمنّع المرأة عن زوجها ، والمعتقدات الشاذة للزوجة التي تعتقد أنها بمعاندتها لزوجها تثبت ذاتيتها واستقلاليتها وذلك تطبيقاً للنظريات التحررية .وربما رضا الضحية بالعنف الممارس ضدها، وعدم محاولتها تغييره لاعتقاد بعض الضحايا أن العنف هو دليل حب الجاني للضحية ، أو الخوف النفسي عند بعض الضحايا من النساء الذي يدفعهن إلى الإمتناع عن التبليغ عن العنف،وأحياناً حب المرأة الضحية للجاني حباً يدفعها إلى الصبر محاولة منها لإصلاحه وتعديل تصرفاته .

 أما آثار العنف قد تساهم في اعاقة حركة الأسرة ويجعل من الصعب عليها القيام بوظائفها ،فتظهر آثار العنف على المرأة  الشعور بالخوف والذنب قد تلجأ للمرض أو تجنح الى كراهية أطفالها بل يزيد احتمال ضربها لهم.أما بالنسبة للطفل قد تنشأ سلوكيات إنعزالية سلبية، أو عدائية، او نشاط مفرط ويرافق ذلك التبول اللاارادي و نوبات الغضب،أو عدم احترام الذات ثم تأخر في الدراسة وحذر من الكبار. أما الإساءة الجنسية فينتج عنها توتر، خوف، قلق، غضب، سلوكيات جنسية غير مناسبة ومن التأثيرات الأكثر خطورة ما يصيب الأبناء في حياتهم الاجتماعية مع الجنس الآخر مستقبلا .أما المسنين تظهر بعدم الالتزام بتناول الأدوية،عدم انتظام المواعيد في المراجعات الطبية، الاصابات الجسمانية المتكررة بدون اسباب واقعية وذكر تبريرات واهية لها،العزلة الاجتماعية،الشعور بالخوف الدائم ، التردد في الحديث والشعور بفقدان المساعد ،تكرر الزيارات الفردية للأطباء والشكوى من أعراض جسمانية مختلفة،  الشعور بالاكتئاب النفسي والقلق.

 وللتعرف أكثر على المعنف وهل يمكن تعديل سلوكه؟وهل يصبح المعنّف معنِف؟ وما هي أسباب العنف ؟وما هي النصائح التي تعطى للأهل والمربين؟ سألنا نجوى بنوت المعالجة النفسية والاختصاصية الأسرية والتربوية " المعنف هو شخص يصدر عنه سلوكيات عدوانية تجاه ذاته أو الآخرين وسواء كان التعنيف لفظي معنوي أم جسدي. وللمعنف دوافع كثيرة لإستخدامه هذا الأسلوب في التعبير منها دوافع داخلية تعود إلى مرحلة الطفولة من إهمال، نبذ، تعنيف،  فخرجت هذه التراكمات على شكل سلوكيات عدوانية ليسقطها على ضحيته الأضعف، ومنها دوافع خارجية كالظروف الاقتصادية والضغوطات الإجتماعية خاصة في ظل الأزمات المتلاحقة وعدم التعامل الصحيح معها. من الجدير بالذكر أن الذي يتعرض للتعنيف قد يتحول بدوره إلى معنف فيما بعد أو قد يعاني من مشكلات نفسية واضطرابات في الشخصية ، وذلك بحسب طبيعة كل فرد. وبالإمكان تعديل سلوك المعنف إذا ماخضع لجلسات علاجية الهدف منها معرفة السبب الذي أدى إلى ظهورها، وبالتالي وضع الخطة العلاجية المناسبة بحسب كل حالة.

 لذا ينصح الأهل وبهدف  الحد من ظهور السلوكيات العدوانية التي قد تؤثر سلبا على شخصية الأبناء في المستقبل، وكنوع من الوقاية والحرص على صحة الأسرة النفسية الالتزام بالأمور التالية:

  مراقبة ردود الأفعال التي تصدر عن الأهل خاصة أمام الأبناء لأنهم قدوة عملية لأبنائهم.

   تشجيع الأبناء على التعبير عما في داخلهم للتعرف على أفكارهم مشاعرهم ومخاوفهم والتعامل الصحيح معها في حينها، منعا من تراكمها ،وكي لا يلجأ الطفل للتعنيف كنوع من التنفيس.

    التوجيه بالحوار عند الخطأ، والثناء على السلوكيات الايجابية بهدف تعزيز الصورة الإيجابية للذات.

     الحرص على إشباع الجانب العاطفي عند الأبناء وبين الأزواج أيضا.

    الحرص على التعامل الصحيخ مع المشكلات والضغوطات النفسية للحد من المعاناة التي يتعرض لها الفرد، ومنع إنعكاساتها السلبية على الأفراد المحيطين، وعدم التردد في طلب المساعدة المتخصصة عند الحاجة فرسولنا الكريم أوصانا بأنفسنا في الحديث الشريف:" ولنفسك عليك حق..

 يشكل العنف الأسري بكل أنواعه تحدياً كبيرا امام المسؤولين والباحثين في قضايا

الأسرة، وذلك بسبب تعلق هذا الأمر باستقرار الأسرة واستمراريتها من جهة ، وبضمان حقوق أفرادها من جهة اخرى .إن الحماية من العنف الأسري تستوجب تقسيم هذه الحماية إلى قسمين : ذاتية وجماعية، ذاتية كالالتزام بتعاليم الإسلام السمحة وتطبيقها في الحياة الأسرية، تغيير التصورات والتصرفات حول العنف وهذا الأمر قد يتطلب الاستعانة بمستشارين نفسيين واجتماعيين .أما الحماية الجماعية تتمثل في اصدار التشريعات التي تحمي من العنف الأسري وتفعيلها إن وجدت كما تفعيل دور الحكمين، عملا بقول الله تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾ [النساء/ 35].ثم  تشجيع الضحية على الإبلاغ عن الجرم ، وتأسيس مؤسسات اجتماعية إسلامية تهتم بقضية العنف الأسري، إيجاد خطوط ساخنة لهذه المؤسسات يمكن من خلالها تقديم الاستشارات والمساعدة .الرقابة على الإعلام  إذ إنه ثَبَتَ أن لمشاهد العنف التي تبثها وسائل الإعلام دور مهم في انتشار العنف، العمل على تحاشي بعض الأسباب الموصلة إلى العنف الأسري، كعدم العدل بين الأولاد أو الزوجات في حال التعدد، والتخفيف من تدخل الأهل والأقارب في الشئون الزوجية لأبنائهم.

ودمتم في حفظ الله ورعايته

 

مقالات أخرى للكاتب

اضف تعليقاً

ابق على اطلاع بالاشتراك بنشرتنا البريدية ...

و ساعدنا في تغيير حياة المزيد